عبد الفتاح عبد المنعم

هل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قوى عظمى متهالكة؟

السبت، 08 يوليو 2017 11:50 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وفى معرض القراءة التحليلية لهذا الكتاب، لا نملك سوى ملاحظة ذلك التفاؤل، الذى تصدر عنه مقولات كتاب «عالم ما بعد أمريكا»، ونكاد نصغى بين سطوره إلى أصداء مقولات سبق إليها محللون ومفكرون، حاولوا أن يبشروا أو يحذروا إزاء ما يستجد على عالمنا من متغيرات، وفى هذا الصدد قد نستعيد كتابات الصحفى الأمريكى «توماس فريدمان» فى كتابه بعنوان «الأرض مسطحة» بمعنى أن ظاهرة العولمة أصبحت أقرب إلى شبكة الترابط الوثيق بين سكان الكرة الأرضية- وقد نعيد التأمل أيضاً فيما سبق وحذر منه البروفيسور زبغينو بريجنسكى- مستشار الأمن السابق فى عهد الرئيس كارتر من أن أمريكا مهددة بسور من العزلة وسط رقعة الشطرنج الدولية الكبرى، نفس المنطق وربما حذر منه البروفيسور جوزيف ناى، الأستاذ بجامعة هارفارد، حين أصدر كتابه بعنوان «تناقض الإمبراطورية»، وأكد فيه أن أمريكا لن تستطيع بمفردها أن تضطلع بمسؤوليات القطب العالمى الأكبر أو الأوحد أو فلنقل مسؤوليات الزعامة أو حتى المسؤوليات الإمبراطورية.
 
المهم، وبحسب فريد زكريا، فإن ثمة نجوماً عديدة بدأت «أنوارها تتسلل- حتى لا نقول إنها تلمع أو تسطع- فى سموات الأفق العالمى». ومن قبيل التناقضات أن صعود هذه النجوم فى آسيا أو أفريقيا أو روسيا أو أمريكا اللاتينية جاء فى رأى الكاتب بفضل استيعابها مبادئ الحرية والحوافز الفردية ومهارات المشروع الرأسمالى ودينامية الفرد والمجتمع، وكلها أفكار ومبادئ ودعوات سبقت إليها أمريكا، بل وظلت تدعو إليها وتعمل على ترويجها عبر أكثر من 60 عاما من عمر القرن العشرين، ويزيد التناقض وضوحا أن هذه المبادئ ذاتها هى التى تستخدمها الدول الصاعدة لمنافسة أمريكا ومزاحمتها على موقعها القيادى الفريد من خارطة العالم، يشير الكاتب إلى أن «لأول مرة فى التاريخ بتنا نشهد نمواً عالمياً حقيقياً، وهو يؤدى بدوره إلى خلق نظام دولى تكف فيه أجزاء العالم عن أداء دور «المتفرج» السلبى بل تشرع فى أداء دور «اللاعب» المشارك الإيجابى كل بطريقته، باختصار نحن نشهد مولد نظام عالمى بكل معنى الكلمة».
 
هنا يجب طرح السؤال الجوهرى، ماذا عن دور أمريكا فى إطار هذا النظام؟ يجيب الكاتب بالقول «على المستوى السياسى- العسكرى فما زلنا قوة عظمى وحيدة، ولكن على صعيد كل من الأبعاد- المجالات الأخرى فنحن نشهد تحولات فى توزيع القوة والنفوذ يستوى فى ذلك المجالات الصناعية، والمالية، والتعليمية، والاجتماعية والثقافية على السواء، كلها تتحول بعيدا عن وضع الهيمنة الأمريكية، ليس معنى هذا- يستدرك مؤلف الكتاب- إننا بذلك ندخل فى عالم معاد لأمريكا ولكننا نلج عتبات عالم ما بعد أمريكا. ومرة أخرى يتبقى طرح السؤال المنطقى: ماذا يعنى إذن العيش فى ظل هذه التحولات فى كنف مجتمع أو مرحلة أو عالم ما بعد أمريكا؟.
 
يستعرض المؤلف فريد زكريا مستقبل العالم، خلال الفترة المقبلة، حيث يرى أن المؤشرات تشير إلى احتمال بروز قوى أخرى إذا كان من الصحيح أن الولايات المتحدة معها ستحافظ على تميزها، إلا أن التفرد لن يكون لها بالكامل، وعلى ذلك فإن الفكرة الأساسية التى يحرص المؤلف على التأكيد عليها لكى لا يساء فهمه، هو أن قوة أمريكا ليست إلى زوال، وإنما تنتظر من يزاحمها.
 
يعمد المؤلف فى الفصل السادس من الكتاب إلى تذكير أمريكا بمصير الإمبراطورية البريطانية، التى لم تكن تغرب الشمس عن ممتلكاتها وسط البحار، وفيما وراء البحار، ويحاول جاهدا التنبيه إلى ما آل إليه مصيرها، ويعقد مقارنات توازى بين مصير القوتين العظميين، ويخلص إلى نتيجة فحواها أن القوة العسكرية ليست سبب المكانة الوحيدة لأمريكا، بل هى نتيجة لهذه المكانة التى تستمد وقودها من القاعدة الاقتصادية والتكنولوجية التى تنفرد بها، ويقول: «صحيح أن أمريكا قد تفقد حصة لا يستهان بها مما تتمتع به على الساحة الدولية لحساب أو لصالح القوى الصاعدة والمتوثبة الأخرى، وفى مقدمتها الصين والهند-وقد نضيف روسيا وربما اليابان أو حتى البرازيل وجنوب أفريقيا-  ولكن ستظل أمريكا تنعم باقتصاد بالغ الحيوية شديد الفعالية، وقادر على أن يظل متصدرا مسيرة العلم والتكنولوجيا والتطور الصناعى، ولكن بشرط واحد وأساسى هو أن تنجح أمريكا فى التكيف والتواؤم مع التحديات التى تنتظرها عند منحنيات الطريق».
 
ورغم ذلك يبادر المؤلف لينبه أيضا إلى أن الولايات المتحدة لم تعد الآن فى وضع تحسد عليه: «صحيح أنها ما زالت القوة العظمى عالميا، إلا أنها قوة عظمى متهالكة القوى، نجد أن مشاكلها الاقتصادية واضحة، سمعتها وصورتها أصبحت سلبية فى نظر قطاعات عديدة من عالمها وعصرها ومشاعر العداء لأمريكا فى كل مكان ما بين بريطانيا نفسها! فى أوروبا إلى ماليزيا فى جنوب الشرق الآسيوى، كل هذه الاتجاهات يراها المؤلف بمثابة فرص لكى تبقى أمريكا- بفضل جاذبية ثقافتها- فى موقع اللاعب الرئيسى على حلبة عالم أكثر دينامية وأشد إثارة.
 
فى هذا السياق، يرى الكتاب ضرورة أن تفسح أمريكا المجال لكى يتنافس على مهاد هذه الحلبة العالمية أكثر من طرف، بحيث تتخلى واشنطن عن سياسة بوش فى انفراد القطب الواحد، الذى أضفى نزعة من الاستعلاء مستندة إلى غرور القوة على سلوك المسؤولين الأمريكيين، الأمر الذى أفقدهم حتى تعاطف حلفائهم الأوروبيين أنفسهم.. ونواصل غدا مصير العالم بدون أمريكا.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة